عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: - قَدِمَ علَى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَفَرٌ مِن عُكْلٍ، فأسْلَمُوا، فَاجْتَوَوْا المَدِينَةَ فأمَرَهُمْ أنْ يَأْتُوا إبِلَ الصَّدَقَةِ، فَيَشْرَبُوا مِن أبْوَالِهَا وأَلْبَانِهَا فَفَعَلُوا فَصَحُّوا فَارْتَدُّوا وقَتَلُوا رُعَاتَهَا، واسْتَاقُوا الإبِلَ، فَبَعَثَ في آثَارِهِمْ، فَأُتِيَ بهِمْ فَقَطَعَ أيْدِيَهُمْ وأَرْجُلَهُمْ وسَمَلَ أعْيُنَهُمْ، ثُمَّ لَمْ يَحْسِمْهُمْ حتَّى مَاتُوا.
وفي رواية: " ثُمَّ أُلْقُوا في الحَرَّةِ، يَسْتَسْقُونَ فَما سُقُوا حتّى ماتُوا".
قوله: "عًكْل" وهم حيُّ من العرب، وهم بطن من الرَباب من تميم، وكانت منازلهم شرق نجد مما يلي العارض، وفي رواية: "من عُرينة" وعرينة بطن من بَجيلَة، وكانت منازل بَجيلة بنواحي بيشة، إلا أن بني عُرينة هؤلاء، كانوا قد خرجوا من قومهم في الجاهلية، وحالفوا بني عامر بن صعصعة من هوازن، وكانوا يقيمون مع بني عامر بعالية نجد، محادّين لبني تميم، وأكثر الروايات على أن هؤلاء الرهط من عُكْل، وليسوا من عُرينة.
وقوله: "فاجتووا" أي: لم يناسبهم هوائها، فمرضوا بها، وأصابتهم الحُمَّى.
وقوله: "فاشربوا من أبوالها وألبانها" البعض يظن أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ هذا الدواء بوحي من الله تعالى، ولكن الصواب أنه إنما أخذ ذلك مما تعارف عليه حكماء العرب قديماً، حيث أنهم اكتشفوا أن أبوال الإبل وألبانها تفيد من أمراض عديدة، من خلال التجربة والبرهان، ذلك أن الإبل، كانت تأكل من جميع أنواع الأعشاب، فيكون في الأعشاب من الدواء ما يجتمع في أبوال الإبل وألبانها، إضافة إلى ما رُكِّبَت عليه أجساد الإبل، من قوّة المناعة، فإن هذا كله، يؤثَِر في ألبانها وابوالها، فيكون فيها شفاء للعديد من الأمراض. لذلك أرشد النبي صلى الله عليه وسلم العُكْلِيِّين، بالدواء الذي تعارف عليه حكماء العرب بالتجربة والبرهان. وليس هذا خاصّاً بأبوال الإبل، بل حتى أبوال البقر والغنم.
وهذا ما أثبته الأطباء قديماً وحديثاً.
قال ابن سينا في كتاب القانون في الطب في علاج الاستسقاء: "وأنفعُ الأبوال، بَوْل الجمل الأعرابى، وهو النجيب.. " اهـ
وقال: "وبول الجمل شديد النفع من الخشم ويفتح سدد المصفاة بقوة شديدة جداً .." اهـ
وقال: "وبول الجمل ينفع في الاستسقاء وصلابة الطحال لا سيما مع لبن اللقاح" اهـ
وقال: ".. وربما سقوا من ألبان الإبل الأعرابية وأبوالها وخصوصاً في الأبدان الجاسية القوية وخصوصاً إذا أزمن سوء القنية وكاد يصير استسقاء. وربما سقوا أوقيتين من أبوال الإبل من سكنجبين إلى نصف مثقال أو أكثر وكذلك في أبوال المعز" اهـ
وقال: "وقد يخلط بأبوال الإبل وقد يقتصر عليها طعاماً وشراباً وقد يضاف إليها طعام غيرها". اهـ
وقال في علاج أمراض الطحال: "يؤخذ منه كل يوم درهمان ويتبع ببول والانتفاع بألبان الإبل وأبوالها شديداً جداً". اهـ
وقال: "يؤخذ منه ملعقة ببول الإبل أو بول البقر أو قشور الكبر أربعة دراهم راوند طويل درهمين بزر الفنجنكشت والفلفل من كل واحد ستة دراهم يتخذ منه اقراص". اهـ
أما حديثاً، فقد قام عدّة أطباء عرب باكتشاف فوائد علاجية في أبوال الإبل وألبانها، عبر دراسات استمرت عدة سنوات، حيث أكتشفوا أن لأبوال الإبل خواص قد تكون مفيدة في علاج مرض السرطان، أجارنا الله وإياكم من كل سوء، وهم:
أ.د. أحمد عبدالله أحمداني، عميد كليّة المختبرات الطبيّة بجامعة الجزيرة السودانية، السودان.
أ.د. رحمه علي العليّاني، من جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، السعودية.
د. عبدالقادر الحيدر، أستاذ في كلية الطب، من جامعة الملك سعود، السعودية.
د. محمد أوهاج محمد، دكتوراه في الكيمياء الحيوية الطبية و ماجستير التعليم الطبي، في جامعة بيشة، السعودية.
د. أحلام أحمد العوضي، أستاذ مشارك الميكروبيولوجي، بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة، السعودية.
كما قام فريق من جامعة الباني بالولايات المتحدة الامريكية بقيادة الدكتور شاكر موسى باكتشاف الخصائص العلاجية التي اكتشفها الباحثون السابقون.
ولكن بعض التجارب تفيد عدم صلاحية بول الإبل لعلاج مرض السرطان، نظراً لأن نِسَب المواد العلاجية في بول الإبل قليل جداً، أقلّ مما يحتاجه مريض السرطان.
فيظهر أن بول الإبل، يصلح لعلاج بعض الحالات غير المستعصية، مثل الحُمَّى، خصوصاً وأن الذين أرشدهم النبي صلى الله عليه وسلم لشرب بول الإبل، كانوا مصابين بالحمّى.
كما أن النبي لم يأمر بشرب أبوال الإبل وحدها، بل بشرب أبوال الإبل وألبانها.
لذلك إذا استخدم مريض أبوال الإبل وحدها، أو استخدم أبوال الإبل وألبانها في غير الحمى، ولم يفده في علاج مرضه، فلا يلومن إلا نفسه.
وكان نساء العرب يغسلن رؤوسهنّ بأبوال الإبل، لأنها تكون في مقام الصابون، كما أنها تقوّي الشعر، وبما أن لأبوال الإبل رائحة زكيّة، بخلاف أبوال البقر والغنم، فإنها كانت تعطي شعور النساء رائحة زكيَّة.
وقوله: "فقطع أيديهم وارجلهم وسَمَل أعينهم" سَمْل العين، هو فقعها، حيث تكوى بمسامير محمّاة، والسبب الذي جعل النبي صلى الله عليه وسلم يفعل هذا بهم، هو أنهم ارتدوا بعد إسلامهم، وقتلوا نفساً مسلمة بغير حق، ونهبوا أموال المسلمين، وحاربوا الله ورسوله، وخوّفوا المسلمين، فنكّل بهم النبي صلى الله عليه وسلم، ليكونوا عِبرَة لغيرهم.
وقوله: "لم يحسمهم حتى ماتوا" أي: لم يحسم نزيف الدم من أيديهم وارجلهم بعد قطعها، حتى هلكوا.