تأويل حديث: "وأنت الباطن فليس دونك شيء"

 #شرح_حديث

تأويل حديث: " اللهمّ أنتَ الأوّلُ فليسَ قبلكَ شيء ، وأنتَ الآخرُ فليسَ بعدكَ شيء ، وأنتَ الظاهرُ فليسَ فوقكَ شيء ، وأنت الباطنُ فليسَ دونكَ شيء" اهـ
فقوله: "أنت الأول فليس قبلك شيء": أي أنت أول الأشياء، فليس هناك شيء وجد قبل الله أو مع الله. وهذا كناية عن أزليّته.
وقوله: "وأنت الأخر فليس بعدك شيء": أي: ليس يبقى بعدك شيء، لو كانت كل الاشياء تفنى، وهذا كناية عن أبديته. وأنه الحي الذي لا يموت.
وقوله: "وأنت الظاهر فليس فوقك شيء"، الظاهر من الظهور، وهو البروز، والمراد به هنا العلوّ، لأنه قال: "فليس فوقك شيء" أي: لا يعلوك شيء، والنفي هنا مطلق غير مقيّد ولا مخصّص، فدل على أن المراد بالظهور هنا ظهور الذات والقدر والقهر والغلبة والسلطان.
وقوله: "وأنت الباطن فليس دونك شيء": اي: لا يخفى عليك شيء من أمور عبادك، والعرب تقول: ليس دون فلانٍ سِرّ، اي: لا يخفى عليه سِرّ. وقوله: "الباطن". أي: من الاستبطان، وهو الدخول في باطن الشيء، والدخول هنا بمعنى دخول الله تعالى بعلمه في بواطن الأشياء، فلا يخفى عليه منها شيء.
وليس معناه: ليس تحته شيء. فباطن الشيء، هو داخله، فالله داخل بين الأشياء بعلمه، وأما التحت، فهو السّفّل، فبين الكلمتين فرق كبير، فتنبه.

مسألة رضاع الكبير

 ومختصر الحديث: أن أبا حذيفة بن عتبة، تزوج في الجاهلية امرأتان، ثبيتة بنت يعار الأوسيّة، من أوس المدينة، وسهلة بنت سهيل العامريّة القرشيّة، وقد أخطأ من نسب سهلة إلى الأنصار، فهي قرشيّة وليست أنصاريّة.

وكان لثبيتة غلام صغير، يدعى سالم، وهو من سبي فارس، من أهل اصطخر، فكان سالم يدخل وهو صغير على سيدته وعلى سيده أبو حذيفة، وعلى سهلة بنت سهيلـ يخدمهم، وكان يدخل على ثبيتة وسهلة وهُنّ فُضُل، أي: متبذلات في لباسهن، لأنه صغير، ولم يكن يرينه إلا مثل ولدهن، لما يقوم به عليهن من الخدمة، وكان ذا خُلُق وحياء، فأحبه أبو حذيفة وزوجاته حبّاً شديداً، فأعتقته ثبيتة سائبة، يتولّى من شاء، فبقي معهم، فتبنّاه أبو حذيفة وجعله ابناً له، فكان يدعى: سالم بن أبي حذيفة، واسلم سالم مع أبي حذيفة، وهاجر إلى المدينة، وكان قد بلغ الخامسة عشر أو أكثر من ذلك، وزوجه أبو حذيفة من ابنة أخيه: فاطمة بنت الوليد بن عتبة، ويظهر أن زواجه منها وقع قبل السنة الخامسة للهجرة، فلما نزلت آية تحريم التبني، ترك الانتساب إلى أبي حذيفة، وصار أخاً له في الإسلام، ويظهر من الأخبار، أن أبا حذيفة طلّق ثبيتة، فبقي سالم مع أبي حذيفة، أبوه بالتبنّي ومع سهيلة، ولما كان سالم منذ صغر سِنِّه، يدخل على زوجات أبي حذيفة وهُنّ فًضُل، كان قد تعوّد على ذلك، فلم يكن سالم يستنكر أن يدخل على سهلة وهي فُضُل، ولا كانت هي تستنكر ذلك، لأنها قد تعودت عليه منذ صغره، ولم تكن تراه إلا ابناً لها. فرأت كراهة ذلك في نفس أبي حذيفة، فذهبت تستفتي النبي صلى الله عليه وسلم في شأنه، وتقول له: "كُنَّا نَرَى سَالِمًا وَلَدًا وَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيَّ، وَأَنَا فُضُلٌ وَلَيْسَ لَنَا إِلَّا بَيْتٌ وَاحِدٌ، فَمَاذَا تَرَى فِي شَأْنِهِ؟" رواه مالك في الموطأ، فقال لها النبي: "أرضعيه تحرمي عليه، ويذهب ما في نفس أبي حذيفة". قالت: وكيف أرضعه؟ وهو رجل كبير. فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "قد علمت أنه رجل كبير". فأرضعته، فذهب ما في نفس أبي حذيفة، من شأن دخول سالم عليها. (رواه مالك في الموطأ ومسلم في صحيحه وغيرهما).

قلت: وقد أجمع الصحابة وأمهات المؤمنين على أن هذه الرضاعة رُخصة لسهلة بنت سهيل، من دون الناس، وان الرضاع الذي يحرم، ما كان في الحولين فقط. (رواه مالك في الموطأ وغيره)

عن زينب بنت أبي سلمة أخبرته؛ أن أمها أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقول: أبى سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخلن عليهن أحدا بتلك الرضاعة. وقلن لعائشة: والله! مانرى هذا إلا رخصة أرخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم لسالم خاصة. فما هو بداخل علينا أحد بهذه الرضاعة. ولا رائينا. (رواه مسلم).

إلّا عائشة رضي الله عنها، فإنها اعتبرت ذلك رخصة لجميع الناس، روى مالك في موطأه عن عروة أنه قال: "فَأَخَذَتْ بِذَلِكَ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ فِيمَنْ كَانَتْ تُحِبُّ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا مِنَ الرِّجَالِ، فَكَانَتْ تَأْمُرُ أُخْتَهَا أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَبَنَاتِ أَخِيهَا أَنْ يُرْضِعْنَ مَنْ أَحَبَّتْ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا مِنَ الرِّجَالِ".

قلت: ولم تكن عائشة رضي الله عنها لتجرأ على أن ترسل رجالاً كباراً لأخواتها، وإن كانت ترى في ذلك رخصة، لأن نساء العرب لم يكن يجرؤن على ارضاع الكبير وهن في الجاهلية، فكيف في الإسلام، لذلك كانت عائشة ترسل صبية يافعين لأخواتها ليرضعنهم، والصبي اليافع هو ما بين ثلاث سنين إلى اربعة عشر سنة، أي: لم يبلغ سِنّ الاحتلام.

روى مسلم في صحيحه، عن زينب بنت أم سلمة. قالت: قالت أم سلمة لعائشة: إنه يدخل عليك الغلام الأيفع الذي ما أحب أن يدخل علي. قال: فقالت عائشة: أما لك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة؟.

فالشاهد من هذا الحديث، هو قولها: "الغلام الأيفع" فدلّ هذا على أنها إنما ترسل أغيلمة يافعين، لا رجالاً محتلمين.

والقول الفصل في هذه المسألة، هو قول جميع الصحابة وجمهور أمهات المؤمنين، وهو أن رضاعة الكبير رخصة لسهلة بنت سهيل، وأن الرضاع الذي يحرم هو ما كان في الحولين، حتى أن سالم بن عبدالله بن عمر، لم يؤذن له في الدخول على عائشة، مع أنها أرسلته لأخواتها لإرضاعه، لأنه لم يتم الرضاعة التي يحرم بها الصبي، مع أنه رضع من أم كلثوم في الحولين.

روى مالك في موطأه عن نافع، أن سالم بن عبد الله بن عمر، أخبره أن عائشة أم المؤمنين أرسلت به، وهو يرضع إلى أختها أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق، فقالت: «أرضعيه عشر رضعات حتى يدخل علي»، قال سالم فأرضعتني أم كلثوم ثلاث رضعات، ثم مرضت، فلم ترضعني غير ثلاث رضعات، فلم أكن أدخل على عائشة من أجل أن أم كلثوم لم تتم لي عشر رضعات.

فعمل الناس من زمن الصحابة وما بعده على أن رضاع الكبير رخصة لسهيلة بنت سهل، وأن الرضاع الذي يحرم هو ما كان في الحولين لجميع الناس.

وذهب بعض أهل العِلم، إلى أن هذه الرخصة تشمل كلّ من كانت حالتهم مثل حالة سهلة وسالم، بحيث اشترطوا لذلك: أن يكون الراضع، قد تربى منذ صغره في بيت المُرضِع، بحيث يكون وكأنه ابنٌ لها، وأن يكون لا بد من دخوله عليها، للخدمة، وأن لا يكون لهم إلّا بيتٌ واحدٌ يتشاركونه.

والله وحده أعلم وأحكم.

مسألة شُرب أبوال الإبل للتداوي

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: - قَدِمَ علَى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَفَرٌ مِن عُكْلٍ، فأسْلَمُوا، فَاجْتَوَوْا المَدِينَةَ فأمَرَهُمْ أنْ يَأْتُوا إبِلَ الصَّدَقَةِ، فَيَشْرَبُوا مِن أبْوَالِهَا وأَلْبَانِهَا فَفَعَلُوا فَصَحُّوا فَارْتَدُّوا وقَتَلُوا رُعَاتَهَا، واسْتَاقُوا الإبِلَ، فَبَعَثَ في آثَارِهِمْ، فَأُتِيَ بهِمْ فَقَطَعَ أيْدِيَهُمْ وأَرْجُلَهُمْ وسَمَلَ أعْيُنَهُمْ، ثُمَّ لَمْ يَحْسِمْهُمْ حتَّى مَاتُوا.

وفي رواية: " ثُمَّ أُلْقُوا في الحَرَّةِ، يَسْتَسْقُونَ فَما سُقُوا حتّى ماتُوا".

قوله: "عًكْل" وهم حيُّ من العرب، وهم بطن من الرَباب من تميم، وكانت منازلهم شرق نجد مما يلي العارض، وفي رواية: "من عُرينة" وعرينة بطن من بَجيلَة، وكانت منازل بَجيلة بنواحي بيشة، إلا أن بني عُرينة هؤلاء، كانوا قد خرجوا من قومهم في الجاهلية، وحالفوا بني عامر بن صعصعة من هوازن، وكانوا يقيمون مع بني عامر بعالية نجد، محادّين لبني تميم، وأكثر الروايات على أن هؤلاء الرهط من عُكْل، وليسوا من عُرينة.

وقوله: "فاجتووا" أي: لم يناسبهم هوائها، فمرضوا بها، وأصابتهم الحُمَّى.

وقوله: "فاشربوا من أبوالها وألبانها" البعض يظن أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ هذا الدواء بوحي من الله تعالى، ولكن الصواب أنه إنما أخذ ذلك مما تعارف عليه حكماء العرب قديماً، حيث أنهم اكتشفوا أن أبوال الإبل وألبانها تفيد من أمراض عديدة، من خلال التجربة والبرهان، ذلك أن الإبل، كانت تأكل من جميع أنواع الأعشاب، فيكون في الأعشاب من الدواء ما يجتمع في أبوال الإبل وألبانها، إضافة إلى ما رُكِّبَت عليه أجساد الإبل، من قوّة المناعة، فإن هذا كله، يؤثَِر في ألبانها وابوالها، فيكون فيها شفاء للعديد من الأمراض. لذلك أرشد النبي صلى الله عليه وسلم العُكْلِيِّين، بالدواء الذي تعارف عليه حكماء العرب بالتجربة والبرهان. وليس هذا خاصّاً بأبوال الإبل، بل حتى أبوال البقر والغنم.

وهذا ما أثبته الأطباء قديماً وحديثاً.

 قال ابن سينا في كتاب القانون في الطب في علاج الاستسقاء: "وأنفعُ الأبوال، بَوْل الجمل الأعرابى، وهو النجيب.. " اهـ

وقال: "وبول الجمل شديد النفع من الخشم ويفتح سدد المصفاة بقوة شديدة جداً .." اهـ

وقال: "وبول الجمل ينفع في الاستسقاء وصلابة الطحال لا سيما مع لبن اللقاح" اهـ

وقال: ".. وربما سقوا من ألبان الإبل الأعرابية وأبوالها وخصوصاً في الأبدان الجاسية القوية وخصوصاً إذا أزمن سوء القنية وكاد يصير استسقاء. وربما سقوا أوقيتين من أبوال الإبل من سكنجبين إلى نصف مثقال أو أكثر وكذلك في أبوال المعز" اهـ

وقال: "وقد يخلط بأبوال الإبل وقد يقتصر عليها طعاماً وشراباً وقد يضاف إليها طعام غيرها". اهـ

وقال في علاج أمراض الطحال: "يؤخذ منه كل يوم درهمان ويتبع ببول والانتفاع بألبان الإبل وأبوالها شديداً جداً". اهـ 

وقال: "يؤخذ منه ملعقة ببول الإبل أو بول البقر أو قشور الكبر أربعة دراهم راوند طويل درهمين بزر الفنجنكشت والفلفل من كل واحد ستة دراهم يتخذ منه اقراص". اهـ

أما حديثاً، فقد قام عدّة أطباء عرب باكتشاف فوائد علاجية في أبوال الإبل وألبانها، عبر دراسات استمرت عدة سنوات، حيث أكتشفوا أن لأبوال الإبل خواص قد تكون مفيدة في علاج مرض السرطان، أجارنا الله وإياكم من كل سوء، وهم: 

أ.د. أحمد عبدالله أحمداني، عميد كليّة المختبرات الطبيّة بجامعة الجزيرة السودانية، السودان.

أ.د. رحمه علي العليّاني، من جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، السعودية.

د. عبدالقادر الحيدر، أستاذ في كلية الطب، من جامعة الملك سعود، السعودية.

د. محمد أوهاج محمد، دكتوراه في الكيمياء الحيوية الطبية و ماجستير التعليم الطبي، في جامعة بيشة، السعودية.

د. أحلام أحمد العوضي، أستاذ مشارك الميكروبيولوجي، بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة، السعودية.

كما قام فريق من جامعة الباني بالولايات المتحدة الامريكية بقيادة الدكتور شاكر موسى باكتشاف الخصائص العلاجية التي اكتشفها الباحثون السابقون.

ولكن بعض التجارب تفيد عدم صلاحية بول الإبل لعلاج مرض السرطان، نظراً لأن نِسَب المواد العلاجية في بول الإبل قليل جداً، أقلّ مما يحتاجه مريض السرطان.

فيظهر أن بول الإبل، يصلح لعلاج بعض الحالات غير المستعصية، مثل الحُمَّى، خصوصاً وأن الذين أرشدهم النبي صلى الله عليه وسلم لشرب بول الإبل، كانوا مصابين بالحمّى.

كما أن النبي لم يأمر بشرب أبوال الإبل وحدها، بل بشرب أبوال الإبل وألبانها.

لذلك إذا استخدم مريض أبوال الإبل وحدها، أو استخدم أبوال الإبل وألبانها في غير الحمى، ولم يفده في علاج مرضه، فلا يلومن إلا نفسه.

وكان نساء العرب يغسلن رؤوسهنّ بأبوال الإبل، لأنها تكون في مقام الصابون، كما أنها تقوّي الشعر، وبما أن لأبوال الإبل رائحة زكيّة، بخلاف أبوال البقر والغنم، فإنها كانت تعطي شعور النساء رائحة زكيَّة.

وقوله: "فقطع أيديهم وارجلهم وسَمَل أعينهم" سَمْل العين، هو فقعها، حيث تكوى بمسامير محمّاة، والسبب الذي جعل النبي صلى الله عليه وسلم يفعل هذا بهم، هو أنهم ارتدوا بعد إسلامهم، وقتلوا نفساً مسلمة بغير حق، ونهبوا أموال المسلمين، وحاربوا الله ورسوله، وخوّفوا المسلمين، فنكّل بهم النبي صلى الله عليه وسلم، ليكونوا عِبرَة لغيرهم.

وقوله: "لم يحسمهم حتى ماتوا" أي: لم يحسم نزيف الدم من أيديهم وارجلهم بعد قطعها، حتى هلكوا.