ع َنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:
"لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا". قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا، أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ. قَالَ: "أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا".
رواه ابن ماجه بسند صحيح.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:
"كُلُّ أُمَّتي مُعافًى إلَّا المُجاهِرِينَ، وإنَّ مِنَ المُجاهَرَةِ أنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ باللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحَ وقدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عليه، فَيَقُولَ: يا فُلانُ، عَمِلْتُ البارِحَةَ كَذا وكَذا، وقدْ باتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، ويُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عنْه".
رواه البخاري ومسلم.
قلت: والجمع بين الحديثين، أن الأول كان من عادته انتهاك حُرُمات الله تعالى إذا خلا بها، فهو صاحب إصرار على الذنب، لا يندم ولا يتحسّر، ولا يتق الله تعالى أبدا. وهذا الصنف ينطبق عليهم ما رواه عبدالله في زوائد الزهد لأبيه، عن أبي العالية قال : "يأتي على الناس زمان تخرب صدورهم من القرآن ولا يجدون له حلاوة ولا لذاذة إن قصروا عما أمروا به قالوا : إن الله غفور رحيم ، وإن عملوا بما نهوا عنه قالوا : سيغفر لنا إنا لم نشرك بالله شيئا ، أمرهم كله طمع ليس معه صدق يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب ، أفضلهم في دينه المداهن" .
وأما الثاني، فهو يواقع الذنب بين الفينة والأخرى، يجتهد في عِصْمَة نفسه أحياناً كثيرة، وتغلبه نفسه أحياناً، فهذا عليه أن يستر نفسه ويسارع للتوبة، وأن لا يخبر أحداً بما جنته نفسه، ولو على سبيل التحسُّر والتندُمّ.
والنبي صلى الله عليه وسلم، تكلم في كل موضِعٍ بما يناسبه من الأحكام.