الفرق بين النبي والكاهن

هنا مسألة: وهي: ما هو الفرق بين النبي والكاهن؟

أليس كلاهما يقول بأنه عنده كرامات! مثل: إظهار بعض خوارق العادات، والعِلم ببعض المغيّبات.

حتى أن كهنة الصوفية، يغرّون الناس بأن من دلائل صدق ولايتهم أنهم يظهرون بعض خوارق العادات ويعلمون ببعض المغيّبات.

فإذا أظهروا شيئاً من ذلك، قالوا: انظروا نحن عندنا كرامات تدل على صلاحنا!

إذاً كيف نفرّق بين النبي والكاهن؟

والجواب: هو بالنظر في حال كل واحد منهما.

فإن النبي لا يظهر ما عنده من كرامات، لينال بذلك حظاً من حظوظ الدنيا، بل كل عمله لله تعالى، فهو لا يدعو الناس إلى نفسه، بل يدعوهم إلى الله تعالى، ولا يبتغي بعمله جاهاً ولا مالاً.

بينما الكاهن على النقيض من ذلك، كل همّه هو أن ينال حظاً من حظوظ الدنيا، جاه أو مال. 

وهذا يذكرني بخبرين:

الأول: كان لأختي الكبيرة جارة من سوريا، وكانتا تتزاوران، فكان فيما كانت تحدثها به من أخبار بلادها في سوريا، أن قالت: إمام المسجد عِندنا في سوريا، إذا رجعنا إلى سوريا ولم نأتي له بهديه، يعمل لنا عمل تفريق! أي: يفرّق بينها وبين زوجها، لذلك يقومان بجلب هدية له حتى يكفّ شرّه عنهما.

فهذا صوفي يزعم كاذباً أن عنده كرامات، وهي كرامات شيطانية، لا رحمانية، وهمّه كله الدنيا، فإذا لم يعطوه مريديه من الدنيا غضب عليهم بل وأنتقم منهم بأن يفرق شمل الزوجين! فهل كان النبي يفعل ذلك؟! 

والثاني: ما رواه الشيخ حامد آدم وكان كاهناً من كهنة الصوفية، بل أحد الأقطاب الأربعة في الطريقة التيجانية، ثم فاء إلى الإسلام، كان يقول: 

والثالث: ما أخبر به الشيخ علي بن عطا المنان، من أهل بلاد السودان، وكان مريداً صوفيّاً، من أنه كان مسئولاً عن الوقوف خلف الشيخ، الذي يسمونه: السيّد، فكان إذا ذكر الشيخ اسم شيخ الطريقة، رفع الشيخ علي المنان صوته قائلاً: عاش أبو هاشم عاش أبو هاشم، وأخذ الناس يرددون ورائهم. فعل ذلك ثلاث مرات، ويسمي الصوفية هذا بالتكبير! أي يكبرون شيخهم وسيدهم!

قال الشيخ علي المنان: "وفي المرة الخامسة أمسكت بالمايك ولا أدري من أين أتاني هذا ولكن بدل أن أقول: عاش أبو هاشم، قلت: لا اله الا الله، لا معبود إلا الله، وكررت هذا مرتين أو ثلاث فجاءني خليفة الخلفاء المقيم في الدائرة وأخبرني بأن السيد - أي الشيخ - يأمرك أن تتنحى من المنصة بعيد وأن لا تكبر".

قال الشيخ علي المنان: فأخذت أتفكر السيد لماذا طردني عن المايك، وأنا لم أقل شيئاً خاطئاً، ثم لماذا السيد غضب من هذا الكلام؟! 

ثم اكتشفت في النهاية أن السيد إنما يريد أن تكون الولاية له وليس لله تعالى.

وهذا دليل أخر على أن كهنة الصوفية إنما يريدون الولاية لأنفسهم، وأن يكون الجاه لهم، وأن تفاض عليهم الأموال.

حتى أن بعضهم لا يعطيك يده لتنال من كرامتها المزعومة حتى تدفع مبلغاً من المال.

فهذا أيه الإخوة هو الفارق الكبير بين النبي والكاهن.

وهو الفارق بين صاحب الكرامات الرحمانية والكرامات الشيطانية.

والله سبحانه وتعالى إنما أعطى الأنبياء هذه الكرامات ليتبين للناس صدقهم فيما أدعوه من النبوّة، فيصدقوهم ويتبعوهم على الحق الذي جاءوا به. وإن لم ينل النبي من ذلك شيئاً من حظوظ الدنيا. فإنما ينتظر النبي الأجر من الله تعالى.

فالأولياء المزعومين، لأي شيء يعطون الكرامات! هل يعطون الكرامات ليصدقهم الناس فيما يدعونه من الولاية فيقدسونهم ويعظمونهم ويعطونهم الأموال؟!

قال يونس بن عبد الأعلى الصدفي: قلت للشافعي: إن صاحبنا الليث كان يقول: إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة. فقال الشافعي - رحمه الله -: قصر الليث - رحمه الله -، بل إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء ويطير في الهواء فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب.

فكل من خالف القرآن العظيم، وصحيح السنة النبوية، فاعلموا أنه زنديق، وإن طار في الهواء ومشى على الماء، فليس كل خارقة للطبيعة كرامة.

صفة الحضرة الإلهية المعظمة

الحَضّرَة في اللغة تعني: الفِناء والساحة.
فمعنى الحضرة الإلهية، هي: الفناء والساحة التي تحيط بالعرش، الذي اتخذه الله تعالى وتقدس مكاناً له.
فما هي صفة هذه الحضرة.
عن عمران بن حصين رضي الله عنه، أن النبي صلى لالله عليه وسلم قال: "كان الله ولم يكن شيء غيره وكان عرشه على الماء" اهـ 
رواه البخاري.
فأثبت في الخبر أن لله عرشاً، وأن عرش الله تعالى على الماء.
والعرش في اللغة، له معانٍ، والمراد به هنا، هو سرير الملك، الذي يجلس عليه.
وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تخيروني من بين الأنبياء، فإن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي، أم جوزي بصعقة الطور".
رواه البخاري.
فدلّ هذا الحديث أن للعرش قوائم.
والماء، هو بحر يعوم في الفضاء، لا يعلم حدّه إلّا الله تعالى.
وذكر الله في كتابه العزيز أن العرش تحمله الملائكة، قال تعالى في سورة غافر: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا ..) الآية.
واختلف في عدد حملة العرش الآن، فقيل: أربعة. وقيل: ثمانية. ولا يصحّ في عدد حملة العرش اليوم حديث، وما ورد في ذلك، أحاديث ضعيفة سنداً، وباطلة متناً، لا يحتجّ بها، لذلك لا نستطيع أن نحدّد عدد حملة العرش اليوم.
إلا أن الله تعالى، أخبر أنهم يوم القيامة ثمانية، قال تعالىفي سورة الحاقة: ﴿وَٱلۡمَلَكُ عَلَىٰۤ أَرۡجَاۤىِٕهَاۚ وَیَحۡمِلُ عَرۡشَ رَبِّكَ فَوۡقَهُمۡ یَوۡمَىِٕذ ثَمَـٰنِیَة﴾
إلا أنه سبحانه وتعالى لم يبيّن هل هم ثمانية أفراد، أم ثمانية صفوف، هذا شيء في علم الله تعالى.
عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه أنه قال: "ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عدتهم إلا الله عز وجل".
رواه الطبري.
وأخبر سبحانه أنه استوى على العرش، فقال تعالى في سورة طه: (الرحمن على العرش استوى) أي: اعتدل على العرش، استقر وجلس وقعد على عرشه، 
وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "والله فوق العرش" اهـ 
رواه البخاري في التاريخ الكبير وخلق أفعال العباد، وبهذا جاءت الأخبار المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله في السماء.
وعن أبي موسى الأشعري، الصحابي، قال: "الكرسي موضع القدمين، وله أطيط كأطيط الرحل".
أخرجه الطبري في تفسيره بسند صحيح، موقوفاً.
وعن عبدالله بن عباس، الصحابي، قال: "الكرسيّ موضع القدمين، والعرش لا يقدر أحد قدره".
رواه محمد بن خزيمة في كتاب التوحيد، بسند صحيح، موقوفاً.
فأثبت في هذه الأخبار، أن لله تعالى كرسيّاً يضع قدميه الكريمتين عليه.
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن الله تعالى: "حجابه النور - وفي رواية: النار - لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه" اهـ رواه مسلم.
والصواب: أن حجاب الله تعالى من نار، والدليل قوله تعالى في سورة النمل: (فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) وقد جاءت الروايات في كتب التفسير، على أن النار الراد بها هنا، حجاب الله الذي كان يحتجب به عن موسى عليه السلام. فثبت أن اللفظة الصحيحة في الحديث، هي النار وليست النور.
فأثبت في الخبر أن لله تعالى حجاباً يحجب ذاته عن خلقه، وفيه دلالة أن من خلق الله من يحد الله تعالى بإذن الله تعالى.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة الطويل، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فاستأذن على الله في داره" اهـ 
رواه البخاري.
فأثبت في الحديث أن لله تبارك وتعالى داراً تليق بجلاله وعظمته، وأن من أراد الدخول إليه في داره، وجب عليه أن يستأذن حتى يأذن الله له، والدار مثل الحجب، مما أذن الله له من مخلوقاته أن تحده وتحجبه.
وقد زعم البعض أن كلمة "الدار" شاذة، لم ترد إلا في رواية واحدة، وباقي الروايات لم يرد فيها ذكر الدار، يريد بذلك إنكار وجود الدار.
والجواب على ذلك: أن كلمة "الدار" وإن لم ترد سوى في رواية واحدة، إلا أن جميع الروايات تتفق على هذا المعنى وتصححه وتؤكده، فقد ورد في جميع الروايات باتفاق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فاستأذن على ربي" هذا ما قاله رسول الله نصاً في جميع الروايات التي رويت عنه، فما الذي يحول بينه وبين الله، حتى أنه لا يستطيع الوصول إليه إلا بعد أن يُستأذن له عليه؟ 
إذا هناك حائل بينه وبينه ربه، وهي الدار.
وبما أن هناك من يأخذ الإذن للنبي للدخول على الله تعالى، فهذا يدل على أن لله تعالى حُجَّاباً يمنعون من يريد الدخول عليه سبحانه وتعالى، حتى يأخذوا الإذن منه سبحانه، في دخوله عليه، وبالطبع، هؤلاء الحجبة من الملائكة الكرام.
فكل هذه المعطيات، تدل على صحة لفظة "الدار" وإن لم يصرّح بها إلا في رواية واحدة، ولهذا أوردها أمير المؤمنين في الحديث البخاري واحتج بها.
وإذا كان لهذه الدار مدخل يُدخَل منه، فهذا يعني أن لهذه الدار باب، وأن هؤلاء الحَجَبة وقوف على هذا الباب.
وإذا كانت بيوت مؤمني الإنس والجن في لجنّة من ذهب وفضة، فكيف هي يا ترى دار الله تعالى، لا شك أنها أبهى وأعظم وأجمل.
وهل لهذه الدار سقف ام لا؟ لا يوجد في الأدلة ما يبين ذلك، ولكن الراجح أن دار الله تعالى وتقدس بلا سقف، من باب كونه سبحانه وتعالى لا يعلوه شيء من خلقه، والله أعلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في بعض روايات حديث الشفاعة الطويل: "حتى يأتوني فأنطلق إلى الفحص فأخرُّ ساجداً. قال أبو هريرة: يا رسولَ الله وما الفحص؟ قال قدام العرش" اهـ 
رواه الطبري في تفسيره.
فأثبت في الخبر أن قدام العرش الذي هو على الماء موضع يقال له الفحص، يقف عليه النبي عند الشفاعة، ويقف عليه من شاء الله من ملائكته عندما يريدون أن يبلّغوه ما يشاء أن يبلّغوه.ا
وسمعت رجلاً يسأل أحد معبِّري الرؤى، يذكر أنه رأى نفسه في المنام ساجداً لله تعالى، على أرضٍ ذهبيّة، وأن هذا الذهب لشدّة صفاءه، كان كالمرآة، يستطيع أن يرى انعكاس صورته عليه. وذكر أنه أُمِر أن يرفع رأسه، دون أن يسمع ذوتاً، وإنما إلهاماً، فلما رفع رأسه، رأى الله تبارك وتعالى جالساً أمامه، وكان في صورة رجلٍ عظيم الحجم، قال: ثم إن الله تبارك وتعالى دنا منه، فأراه كفّه اليمنى، فإذ بها ينبعث منها نور، فشعر بالسكينة والطمأنينة، وكأن الله تبارك وتعالى يطمئِنُه، ثم إن الله تعالى أدناه منه، وأجلسه بجواره، فرأى تحته نجوم كثيرة، كأنما هي نجوم السماء، قال: كنت أظنها نجوماً عاديّة، كنجوم السماء، ولكنّي لما تمعّنت فيها، رأيت أن كل نجمة منها، في الحقيقة، كون مستقلٌّ بذاته، قال: ثم فقت من نومي.
وقد أخبره المُأوِل أنه عمل عملاً صالحاً عظيماً، تقبله الله تعالى منه.
وعندما سمعت قول هذا الرجل، عن الأكوان الكثيرة التي رآها، تذكرت قول الله تعالى في سورة النحل: (وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ).
وهذا الرؤيا، يستفاد منها أن الدار الإلهية ومرافقها من الفحص وغيره مما لا يعلمه إلا الله تعالى، مبنيّة من ذهب خالص نقيّن من شِدّة نقائه، تنعكس صورة الشخص عليه، والله أعلم.
فمن خلال ما سبق يتبين أن الحضرة تلج بك إلى دار الله أعلم بسعتها وجمالها، وأن هذه الدار لها باب، وللباب حجبة، لا يدخل أحد إلى الله تعالى حتى يذهبوا ويستأذنوا الله تعالى لمن أراد الولوج إلى الدار من ملائكة الله أو من أنبياءه، وإذا ولجت الباب أفضت بك إلى بحر، وأن عرش الله على هذا البحر، تحمله مجموعة من الملائكة، وأن الله فوق العرش، بينه وبين خلقه حجاب من نار، وأن قدام العرش موضع يقال له الفحص، يقف عليه من يريد أن يخاطب الله تعالى من ملائكته أو أنبياءه، وهو الموضع الذي سوف يقف فيه النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة عندما يريد أن يشفع لأحد من أمته.
الجدير بالذكر، أن إبليس لعنه الله، لما هبط إلى الأرض، اتخذ له عرشاً، ووضعه على البحر، لأن الله تعالى أعطاه القدرة على السير على البحر، كما يسير في البرّ، واستوى على عرشه، يتشبه في ذلك بالله تعالى!
عن جابر رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: "إن عرش إبليس على البحر فيبعث سراياه فيفتنون الناس فأعظمهم عنده أعظمهم فتنة" اهـ
قال الشيخ حامد موسى آدم، في فيلم مسجل، وكان صوفياً ساحراً مشعوذاً، ثم تاب إلى الله تعالى، وكان له تابع من الجن، أسمه: سهسهوبي: فسأله الشيخ حامد مرة: هل رأيت إبليس؟ فقال: نعم رأيته. فقال الشيخ: وأين هو إبليس؟ قال: في البحر، وعنده مملكة كبيرة في البحر. قال الشيخ حامد، وأشار سهسهوبي بيده إلى جهة الغرب. وذكر الشيخ حامد أنه وحتى تلك اللحظة، لم يكن يعلم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم من أن إبليس يضع عرشه على البحر.
والله وحده أعلم وأحكم.