الجرائم التي يرتكبها الإنسان في حق نفسه

الإنسان يرتكب في حق نفسه أربعة جرائم:

الجريمة الأولى: يهمل طلب الحق بإهماله طلب العلم الذي يدله على الحق، وكيف يكون ذلك؟ يكون ذلك بإعراضه عن قراءة القرآن وكتب الحديث النبوي 

وتدبرها وإمعان النظر فيها، ومعرفة ما أمر الله به وما نهى عنه، من كلام الله وكلام رسوله مباشرة، وبدون واسطة.

الجريمة الثانية: أنه إذا طلب العلم طلبه من غير وجهه الذي ينبغي عليه أن يطلبه منه، ويكون ذلك بأن يدع كلام الله عز وجل، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، ويقبل على كلام المشايخ والعلماء، فيما صنفوه من كتب، يسمونها كتب العقيدة والفقه، حتى أنه لا يقرأ كلام الله ولا كلام رسوله إلا ومعه كتاب تفسير للقرآن أو شرح للحديث، ويظن المغبون أنه لا يمكن فهم كلام الله وكلام رسوله إلا من خلال العلماء وما صنفوه من تفاسير أو شروحات، 

وفي الواقع أنه لو اقبل على قراءة القرآن وتدبر معانيه، وقراءة ما صح عن النبي من الأخبار وتدبر معانيها، وجمع بعضها إلى بعض، وتأول بعضها من بعض، 

لاستبان له الحق، واستنار له الطريق، ولتلقى العلم غضاً طرياً كما تلقاه الصحابة رضوان الله عليهم، لا تكلف فيه ولا تشدق ولا تفيهق ولا تعالم.

وذلك أن الله تعالى يسّر القرآن للذكر فقال تعالى: (ولقد يسّرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) 

وما اشتبه معناه أو أجمل حكمه في القرآن، أو ما نسخ من آيات القرآن، بيّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم خير بيان، فيما رو يعنه من أخبار.

فماذا تريدون بعد بيان الله تعالى وبيان رسوله صلى الله عليه وسلم!!

أهناك بيان خير من بيان الله ورسوله!!

ولو ترجم القرآن إلى أي لغة كانت، وترجمت السنة إلى أي لغة كانت، لفقهها أهل تلك اللغة بلغتهم، دون الحاجة لمفسّر أو شارح، ودون أن يطالعوا كتب فقه أو عقيدة، من تلك الكتب التي وضعها أصحابها ليضاهوا بها كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم

ولكن البعض لا يؤمن بهذا إذ يظن أن القرآن عبارة عن رموز ومعادلات لا يمكن حلها إلا من خلال العلماء ومن خلال ما صنفوه من تفاسير وشروحات أو كتب عقائدية أو فقهية.

والحق يقال: أنه ما أفسد على الناس فهم معاني كلام ربهم وكلام نبيهم ومرادهم منه إلا العلماء وما يصنفونه من تفاسير وشروحات!

ولكن من الذي يعقل!!

والعلماء المتقدمون والمتأخرون لم يزيدوا على ما ورد في القرآن والسنة إلا شيئين:

الشيء الأول: هي الكائنات الحادثة، والمسائل التي لم يرد فيها نصّ عن الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم.

فهم يجتهدون ويقولون فيها برأيهم، فهب أنك لم تلتزم برأيهم، أكنت بذلك قد خالفت الكتاب والسنة؟! بالطبع لا، إنما هم يعطونك رأيهم، وقد تجتهد أنت وغيرك في المسألة فيكون لكم رأي خير من رأيهم، فلو لم تبلغك أرائهم لم يذهب عليك شيء من العلم.

ولكن يطالب طالب العلم، ألا يقطع في الحكم على شيء لم يرد حكمه بالنص في القرآن والسنة، إلا بعد مناقشة المسألة مع غيره من طلبة العلم، وعرضها على من يرى فيهم أهلاً لذلك، 

ولا يكتفي بواحد ولا اثنين بل يعرضها على جماعة، ثم يتفكر فيما سمع منهم، ويحكم بما أراه الله تعالى أنه الحق، فقبل ذلك كله، يلجأ إلى الله تعالى، ويسأله الهداية والتوفيق، لأنه إن بذلك جميع ما سبق، فإنما يبذل الأسباب ولكن الهداية بيد الله وحده لا شريك له.

والشيء الأخر: هو ما يزيده علماء الضلالة، ودعاة السبل الشيطانية في الدين، مخالفين بذلك النص الشرعي والحديث النبوي، فتجد كلام الله وكلام رسوله في واد وقولهم في واد، فإذا ما عارضتهم بقول الله وكلام رسوله، تكلفوا تكلفاً واضحاً في رده، فإن كان آية، حرفوا معناها، وإن كان حديثاً ضربوه بعلة، وإن كانت علتهم التي ضربوه بها سخيفة، ولكن يقدمونها ليقال أن عندهم شيء وليس عندهم سوى النفاق الذي اشربته قلوبهم.

فلا خير فيما زادوه، بل هو الشر المحض.

وطالب العلم، لو لم يبلغه العلم كله، لاكتفى مما بلغه من العلم عما فاته منه، فإن بلغه حديث صحيح لم يبلغه قبل ذلك، فقد استزاد به علماً، وإن لم يبلغه شيء، فقد احسن من انتهى إلى ما قد سمع، وإنما يؤاخذ العبد بما بلغه من العلم ثم لم يعتقده أو يعمل به.

الجريمة الثالثة: أنه يقلد دينه معظميه من العلماء.

فتجده قد لزم شيخاً، لا يخرج عن قوله، فتراً واحداً، ولا يأخذ من أقوال العلماء الأخرين، إلا ما وافق قول شيخه الذي ارتضاه، ويرى الحق معه في كل شيء، وإن خالف قوله صريح الكتاب والسنة، وهذا الصنف من الناس على نوعين:

الصنف الأول: هم الحمقى والمغفلين، الذين يظنون لسذاجتهم أن من رُسِم برسم العلم ونسب إلى العلماء، لا يمكن أن يكذب على المسلمين ولا أن يغشهم، ويعتقد أن طباعهم أصبحت طبائع ملائكية ، فلو وجد شيخه يخالف صريح الأدلة من الكتاب والسنة لم يتهم شيخه، بل يتهم نفسه بقلة العقل، وبلادة الفهم، وأن شيخه وُهِب عقلاً وفهماً يعسر على قليل عقل وبليد فهم مثله أن يبلغ مبلغه، فجعل نفسه في محل الحمار، وشيخه سائقه، وقد يكون شيخه ممن أضلهم الله تعالى، فيرديه معه في مهاوي الردى.

الصنف الثاني: وهم من يعرفون الحق، ويعرفون أن شيخهم قد أخطاً في مواضع من المسائل، قد تكون من المسائل الخطيرة كبيرة، وقد تكون من المسائل الصغيرة، ولكنهم يقبلون منه الحق والباطل معاً، ويظهرون أنه مصيب فيما أخطأ فيه، ويحتالون لشرعنة قول شيخهم بضروب من الحيل، يلقنها لهم إمامهم إبليس، وإنما يفعل ذلك، لأنه لا دين له، ولا شيخ، ولا يريد من ذلك إلا أمرين:

الأمر الأول: قد يكون ذلك حسداً لأهل الحق، فيما بلغهم من الحق وأظهروه، فلكونه يحسدهم أن هذا الحق لم يظهر من شيخه أو منه ومن جماعته، فهو يعادي ذلك الحق وأهله ويحاربه بكل ما أوتي من قوة أو حيلة.

والأمر الثاني: بعيد عن هذا كله، فقد تجد شيخه بيده شيء من المال أو الوظائف، فهو يبقى متابعاً لشيخه، لما يصله به من هذا المال أو يعينه فيه من الوظائف، 

فيلازمه وينتصر له لأجل ذلك، فجعل علمه ودينه، سبباً لنيل شيء من حظوظ الدنيا، فلو طلب منه أن يبيع دينه في سبيل حظ من حظوظ الدنيا لفعل، فلأحل الحرام، وحرم الحلال، وهذا حال كثير من العلماء وطلبة العلم.

الجريمة الرابعة: أنه إذا تلقى ما تلقى من بدع وضلالات، وسواء عرف الحق فيها أو لم يعرفه، لقاها لطلابه الذين جاءوا يطلبون العلم عنده، فأضلهم كما ضلّ هو من قبل، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وأكثر طلبة العلم، قد أجرم في حق نفسه بهذه الجرائم، سواء من الفرق الضالة مثل: الإباضية أو الشيعة أو الصوفية أو الأشعرية أو الماتريدية أو الالحلولية بل أو حتى كثير من المنتسبين إلى السلفية، نسأل الله العافية.

والمخرج من هذا، هو اللجوء إلى الله تعالى، وحده لا شريك له، قال تعالى ف يالحديث القدسي: "ياعبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم" ولم يقل استهدوا بالمشايخ أو بالكتب أو غير ذلك من الأسباب، 

وجعل الله هداية البشر في القرآن، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبدا كتاب الله" الحديث 

فمن أعرض عنه واقبل على تلك المثناة، التي يسمونها كتب العقيدة والفقه، وكتب التفسير شروح الأحاديث، وترك كتاب الله بغبارة لا يقرأه، وإن قرأه لا يتدبره، ولا يقرأ كتب الحديث ولا يتدبرها، فقد ضل ضلالاً بعيداً، وخسر خسرانا مبينا.